سألني: هل أنت حزين وهل يمكن أن تكتئب؟.. قلت له: سأجيبك بما قاله الشاعر المسرحي صلاح عبدالصبور رحمه الله، حين قال: أنا أعاني، لكنني لا أحزن ولا أكتئب. وهو رد دقيق وعميق، يترجم واقعيا تجذر الإيمان بأن الحياة الدنيا ليست غير محطة في الحياة الإنسانية كلها، وأنها مزرعة الآخرة كما قال السابقون.
فالزراع والفلاحون يدركون جيدا مدى العنت والإجهاد الذي يواجهونه أثناء البذر والغرس والمتابعة اليومية الدقيقة لغرسهم، حتى إذا جاء وقت الحصاد فرحوا بمحصولهم الوفير.
نحتاج أن نكون كهؤلاء الزراع، ولكن فيما نمارسه من علاقات وسلوكيات، واعتقاد، وجهاد للنفس، نحتاج إنزال الحقائق الإيمانية باليوم الآخر والاستعداد للسؤال أمام الله عز وجل عما فعلناه في شبابنا، وعملنا، ومالنا، وعلمنا، ففي الحديث الشريف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسأَلَ عن شبابِه فيما أبلاه، وعن عُمُرِه فيما أفناه، وعن مالِه من أين اكتسبَه وفيما أنفقَه، وعن عِلمِه ماذا عمل فيه"رواه الترمذي وصححه الألباني.
نحتاج إنزال هذه المعاني إلى أرض الواقع، ونتعامل بها ونسمح لها بالتعايش معنا والتأثير فينا، لايفصلنا عنها المبالغة في التقدس أو المثالية التي تصيب بعضنا بالإحباط، الذي يجعلنا نتصرف بعاطفتين وبعقلين، وروحين. أصبح لدينا مثال نهدهد به أرواحنا الظامئة، وواقع مواز نصادم به هذا المثال، فلا نحن الذين التزمنا المثال، ولا نحن الذين استرحنا مع الواقع الردئ!
هل فكرت وأنت تشعر بالحنين إلى السابقين، لماذا تحن إليهم، ولماذا لا يمكنك تحقيق ما حققوه من اتساق مع الذات ونسبة مرتفعة من الرضا والامتلاء الروحي؟
الإجابة بسهولة: إن السابقين لم يقعوا في فخ التناقض بين القول والعمل، ما قالوه هو نفسه ما فعلوه، وهذا هو عين الخلل الذي نعانيه في أجيالنا المعاصرة، نقول غير ما نفعل!
الكثيرون سيوافقونني، إننا نقول غير ما نفعل، لكننا سنختلف بعد قليل، حين يرى بعضهم أن هذا التناقض يدعو إلى الحزن والإحباط والاكتئاب، فيما أراه مدعاة للنهوض والثورة على هذه الثنائية المتشاكسة، ورفض والاستسلام لها، واعتبار اكتشاف الخطأ خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، فتصحيح الخطأ خير من الاستمرار فيه.
ماذا تنتظر وقد اكتشف تناقض قولك وفعلك في أمر من الأمور، لماذا تكتفي بالحزن والاكتئاب فقط؟. هل تكتفي بجلد ذاتك، أم تفرح بإيجابيتك وصراحتك مع نفسك حين اكتشفت الخلل؟.. الشجعان وحدهم هم من يبادرون في صمت إلى إصلاح الخلل، والخروج من الازدواجية بأقل الخسائر، أو بدون خسائر على الإطلاق، فاتباع الصواب لا يحمل أي خسارة من أي نوع، غير مصاعب أخذ النفس بالعزيمة والجرأة في مواجهاتها بأخطائها!
0 التعليقات:
إرسال تعليق